حينما قامت الاعتصامات في ربوع السلطنة واشتد عودها راج بين الناس سؤال كان وقتها دائم الترداد ، حتى صارت عند البعض عبارة تُقال عوضا عن تحية السلام . فلم تكد تُحيي احد قابلته حتى يبدأ السؤال بحماس عجيب بقوله : انت مع الشعب ام مع الحكومة ؟! .
انني اعود بمخيلتي - عندما يطرح هذا السؤال - الى القرون الغابرة ، عندما يتواجه جيشان قبل بدء المعركة ، حيث يتخذ كل منهما موقعا يقابل فيه عدوه قبل الالتحام . فأتخيل جيشين ، الاول جيش الشعب والثاني جيش الحكومة .
ان الاجابة دائما اننا مع الوطن ، فالوطن يشمل بين جنباته الحكومة والشعب ، وهو يسع الجميع . ولهذا فنحن مع الوطن من دون فصل بين مكوناته .
اننا لسنا ضد الحكومة لمجرد انها تمثل الدولة ، على العكس ، فنحن ضد الفساد اينما كان موقعه ، سواء اكان موجودا بين بعض من يمثل الحكومة ، او مدسوسا بين بعض افراد الشعب ، سواء اكان هذا الفاسد وزيرا في الدولة ام مزارعا في ارضه او عاملا بسيطا في وظيفته ولكنهم جعلوا من اعمالهم وسلوكهم باباً الى الافساد في هذا الوطن .
الوطن اكبر من ان يتمثل في شارع او حديقة او مبنى حكومي . ان حب الوطن غرس مكنون في القلب يصعب التعبير عنه ووصفه او الوفاء له بكل حقه .وما اجمل ان يكون كل واحد من افرادها ( صوفياً في حب الوطن ) .
ان الوطن هو روح قبل ان يكون مادة ، لهذا يحب البدوي ارضه رغم انها صحراء قاحلة بالكاد توفر له ضروريات المعيشة ، تماما كما يحب الثري – الذي يعيش في قصور فارهة ويتنقل في سيارات فارهة – وطنه .
فالغني مثل الفقير ، والبدوي مثل الحضري ، والمؤمن تماما كالملحد في حبهم للوطن الذي نشأوا فيه . انه شعور جبل عليه الانسان بطبيعته .
ان تحجيم الوطنية وحكرها في المادة يسوقنا الى اخراج الوطن من اطار القدسية الذي نحيطه دوما بها . واننا بهذا التحجيم نعرض الوطن لمخاطر الخيانة والتخريب ، حيث لا يرضى عن الوطن الا من اغُدق عليه من خيراتها واغُرق في الثراء .
وهيهات له ان يرضى " فلو أُعطي واديا من ذهب لاحب اليه ثانيا ولا يملئ جوف ابن ادم الا التراب " .
ان ذلك الذي يخون الوطن بتعاونه مع من يتربص بها الدوائر ، لا يختلف كثيرا عن الفاسد الذي يختلس من المال العام ، او هذا المخرب لمرافق الوطن ومنشآته ، فكلهم اجتمعوا على افساد الوطن وتعريف الوطنية بمنظور المادة البحتة المنزوعة الروح . وعندها ليس لنا ان نتعجب لماذا خانوا و سرقوا؟ّ! او كيف تجرؤا ان يخربوا ويحرقوا؟! .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق