الأربعاء، 17 أغسطس 2011

تعطيل التفكير

   كان احد المعتصمين من الشباب المتحمس يذكر اهمية تبني الدستور التعاقدي ، وصار من المنادين له ، وعندما سئل ماذا يُقصد بالدستور التعاقدي؟ وبماذا ينادي؟ اجاب اخونا الطيب : لا اعرف بالضبط , ولكن من المؤكد ان تطبيقه سيكون في صالح الوطن والمواطن ؛ لان (طبقة) المثقفين ينادون به ! .
من الغريب ان ينادي البعض بأشياء وهو لايعرف ماهيتها !.
 يقول تعالى : " ولا تقف ماليس لك به علم " . ( الاسراء : 36 ) .
حيث ان من اكرام المرء لعقله ان لا يتحدث في مسائل هو لا يفهمها "ورحم الله امرئ عرف قدر نفسه ووقف عند حده" . لكن لما بدأ بعض الفئات من المعتصمين بالترديد المستمر لموضوع الدستور التعاقدي بكل حماسة وقوة رغم ان كثيرا منهم لم يستوعب بعد معنى هذا الدستور او بماذا ينادي؟.
   هناك بالطبع عوامل متعددة ادت بنا الى هذه النتيجة المؤسفة , فمثلا : ضعف الشخصية قد تكون احد الاسباب ، وكذلك الجهل الذي يؤدي الى الانبهار بالمتحدث او الخطيب البليغ المفوه وكأنه المبارز الاوحد في الساحه ، وحديثه حق لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، هذا الانبهار الشديد الذي يؤدي الى الانصهار في فكر الخطيب ، وفي ظل تغييب العقل ، او النقد الموضوعي للخطب والمحاضرات ، فيظن السامع ان الحق واحد وليس له ثان ، رغم انها مسائل اجتهادية قد تصيب الحق او الباطل ، او قد تكون عوانٌ بين ذلك .
   ولكن في الحقيقة ان عدد كبير من هؤلاء المعتصمين تم اقناعهم بهذه الافكار عن طريق التلاعب بوتر العاطفة . وان من اصول فن الخطابة والتحدث مع الآخرين والذي يُدرس في المؤسسات الاكاديمية ان يفرق الخطيب بين الحضور المستمع ، فإن كان الحضور من النخبة المتعلمة او عالية الثقافة فعلى المتحدث ان يستعمل لغة المنطق والارقام والعقل والبراهين ؛ حتى يتمكن من اقناع الجمهور الواعي بما يقوله .
   اما ان كان الحديث موجه الى عامة الناس ، والذي يجمع بين معظم فئات المجتمع ، والذي يغلب عليه فئة الاميين او اشباه الاميين ، فعلى الخطيب ان يستعمل لغة العاطفة . فهي عندما تجيش تتغلب على لغة العقل والمنطق ، فيصير الفرد اشبه بالمنوم مغناطيسياً ، او قل كالسكران اذا شئت ، فلا يعد يفهم لا منطق ولا عقل ، وعندها يصبح المرء جاهزا ليتشرب معظم الافكار التي يروج لها هذا الخطيب المفوه والبارع في الغوص في اعماق النفس .
   هذا المسلك ينتهجه بعض هؤلاء الخطباء ، فهم يبدأون بالحديث عن معاناتهم الشخصية ، والظلم والقهر الذيْن تعرضوا لهما ، حتى اذا وصل المستمع الى مرحلة البكاء او كاد يتغير الموضوع الى مسألة الحقوق المسلوبة ، سواء اكانت بالفعل حقوقا شرعية للمواطن ، ام يُراد للمواطن ان يعتبرها حق له وهي ليست كذلك ، المهم ان هذا الحشد من الجمهور العاطفي والحديث العهد بالحرية والخطب الرنانة يبدأ بالتصفيق والتكبير والتهليل ، ويصبح الاخ الخطيب بطلا وطنيا لم تنجب البلاد مثله في الشجاعة والثقافة والامانة وحب الوطن .
   عندما نبدأ بتقديس الفرد - الغير معصوم - نكون قد بدأنا بالانحدار حيث يصبح كل ما يتفوه به هذا المقدس حقا مقدسا ، ولا يرضى المرء بعدها ان يتقبل رأياً مغايراً فضلاً عن ان يتقبل نقدا ادبيا لأقوال وافكار هذا المعصوم .
   ان من الواجب علينا ان نتأمل في الافكار التي تطرح علينا ، وان لا نتبنى شيئا منها قبل فحصها والتمحيص فيها ، وان لا نكون امعات اذا احسن الناس احسنا وان اساءوا اسأنا ، او على طريقة الشاعر الذي قال :
          وهل انا الا من غزية ان غوت        غويت وان ترشد غزية ارشد
   نحن مع الذين ظُلموا وسلبت حقوقهم ، نقف معهم قلبا وقالبا ، ونطالب بأن ترد اليهم حقوقهم ويعوضوا عنها ، ولكن ينبغي الا نخلط بين الذات والموضوع . فنحن اذا ساندناهم لاخذ حقوقهم وتعاطفنا معهم لا يعني هذا اننا نؤمن بكل ما ينادون به ويروجون له . اننا معهم حتى يأخذوا حقوقهم كاملة ، ثم من واجبهم ان يعودوا الى صفوف المواطنين ، لهم ما للمواطن ، وعليهم ما عليه ولا فضل لأحد على احد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق