صفعت الشرطية التونسية البائع الجوال محمد البوعزيزي ، وجرى ما جرى في الامة العربية ، بل اثرها اخذ منحىً عالمياً مثيراً .
هذه الشرطية -الظالمة او المسكينة- لم تكن تعلم ولا حتى مجرد شك ان هذه الصفعة ربما تكون من اكثر الصفعات التي ستؤثر على مجرى التاريخ كثيرا او قليلا .
انها صفعة ، وربما كان من واجب المتحمسين للتغيير ان يشكروا هذه الشرطية على اساءتها في الخدمة ، والتي كانت الشرر في هذه التغيرات الجسيمة في الامة .
ربما يتمنى بعض المسؤولين الكبار ان يقتل هذه الشرطية او حتى يأكل من لحمها حتى لو كان مراً ، وبالطبع لا داعي ذكر السبب لانه معلوم بالضرورة .
اكثر مايهمنا الآن هي الاعتصامات التي جرت في بلادنا ، و ما صاحبها من احداث ايجابية او سلبية . ان التركيز على المؤشرات التي صاحبت الاعتصامات قد تكون اكثر اهمية من ذكر محاسن او مثالب الاعتصامات او المظاهرات ، على الاقل في الوقت الراهن .
بدأت الاحتجاجات في عمان و كانت احدى نتائج الاخطاء الجسيمة و المتكررة التي ارتكبت في الماضي ، و تم تجاهلها بقصد او بغير قصد ، لم يعد يهم كثيرا . الاهم من ذلك ان الاحتجاجات و الاعتصامات اصبحت واقعاً يجب التعامل معه بصبر و حنكة و تفهم . و نأمل ان نكون قد تجاوزنا هذه الاحداث – كلنا ابناء هذا الوطن شعبا و حكومة – بوعي اكبر ، وان نعمل جميعا على تجنب اخطاء الماضي ، وان نقوم بتحليل الاوضاع الحالية من اسباب و نتائج ومؤثرات داخلية او خارجية و الربط بينها وان نخرج برؤية واضحة ذات انتاج عماني خالص ، وليست مستوردة ومعلبة من الخارج ، ومحاولة اسقاط تلك الرؤى علينا قسرا ، دون مراعاة اختلاف الثقافات و المرجعيات والظروف المحلية الخاصة بالمجتمع .
*** *** *** *** ***
يقول الثائر الشيوعي المعروف تشي جيفارا : " الثورة لا يقوم بها الا مغامر ولا يستغلها الا انتهازي " .
قد اصاب جيفارا بعض الحقيقة بهذه العبارة ، وبالنظر في واقعنا المحلي نجد ان مجتمعنا منتج للعديد من الانتهازيين و المتسلقين ، ربما ذلك بسبب التوجه السائد في المجتمع والذي يبجل القوي وصاحب السلطة ، مما يغري الكثير للظهور عله يحصل على شئ مما يطلبه ويتمناه في دخيلة نفسه .
كانت هذه الاحداث مناسبة لظهور فئة من الناس والتحدث امام الجماهير في مواقع الاعتصامات ، بل حمل البعض نفسه عناء الانتقال من منطقة الى اخرى بغية عرض افكاره الخاصة على الجمهور العريض ، وهذه الاراء قد نتفق في بعضها ونختلف في البعض الاخر .
كما كانت فرصة لفئة اخرى لم تعرف بسابقة او بادرة للخير ، بل كانت عكس ذلك تعرف بسوء الخلق وضعف الضمير وعمى البصيرة ، ولكن صاروا - وسبحان الله مغير الاحوال – في فترة وجيزة نجوم الجماهير ومضرب الامثال في الوطنية و الشهامة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ، ويكذب فيها الصادق ، ويؤتمن فيها الخائن ، ويخون فيها الامين ، وينطق فيها الرويبضة . قيل : وما الرويبضة؟ قال : الرجل التافه يتكلم في امر العامة " . ( صحيح الجامع للالباني) .
اذكر هنا مجموعة من المنظرين - الذين يحبون ان يطلق عليهم اسم المثقفين – جاءت الى محافظة ظفار لتقوم بتقديم واجب الدعم ، ثم واجب نشر الافكار على الجمهور الغفير .
هذه المجموعة كانت تتألف من بضع رجال ونساء ، ولكن الذي يلفت الانتباه ويثير الاستغراب ان من بين هؤلاء النسوة فتاة ترتدي الحجاب بينما كانت قبل ايام في ميدان مجلس الشورى بمسقط لا تعترف بالنقاب ولا الحجاب ولا هم يحزنون .
لماذا اصبحت متحجبة بعد ان كانت سافرة ومتبرجة؟
ولماذا اصبحت ملتزمة باللباس الساتر لكل الجسد بعد ان كانت قبل ايام قليلة متحررة؟
انها الازدواجية في التعامل ، بكل بساطة لانها لا تريد ان ترفض من قبل المعتصمين بسبب مظهرها الغير مرغوب ، وبالتالي يرفض الجمهور المعتصم ما جاء به ابطالنا المنقذين ، وربما تعرض مشروعهم الوطني - الذي سيحولنا من الضلالة الى الهداية – الى الفشل .
كما من العجب ان يتحول احد دعاة العلمانية من (طبقة) المثقفين - بقدرة قادر – الى خطيب وامام لصلاة الجمعة في احد ميادين الاعتصامات .
انني اؤمن ان الذي يتصدر الناس للاصلاح والتنظير ينبغي ان يكون مؤهلاً للتصدر من وجهين .
الوجه الاول : بحيث يكون ملماً ، ومؤهلاً للتنظير، وحل المشكلات ، سواء اكان مؤهلاً من جهة الاختصاص الاكاديمي ، ام كان التأهيل من جهة الخبرة و الالمام و التثقيف الذاتي .
الوجه الثاني : ان الذي يرضى لنفسه ان يكون متصدراً لاصلاح المجتمع من الواجب ان يكون اول العاملين بما يقول ، وقبل ذلك ان يكون ذو خلق رفيع .
ان الذي يعجز ان يقود نفسه الى طريق الهداية والرشد ، عاجز ان يقود امة الى الخير و الصلاح .
واذا اصيب القوم في اخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا
ان مما يثير الضحك والبكاء في آن واحد ان بعض هؤلاء المتصدرين والمنظرين هم من اسوء الناس اخلاقا وانحطاطا في مجتمعاتهم ، والانكى ان بعضهم لا يتستر بقبائح افعاله ، ربما سيرا بقاعدة : " اذا لم تستح فاصنع ماشئت " .
ليست المشكلة فقط انهم رضوا ان يكونوا مصلحين للمجتمع رغم الفساد الظاهر عليهم ، فهم قد ينطلقون من مرجعيات وثوابت غير مرجعياتنا وثوابتنا الاسلامية . ولكن المشكلة كيف يتقبلهم الناس وهم على هذا السوء؟! .
قال تعالى : " ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم " (سورة محمد : 7 )
فأي نصر نريد ونحن لا نعرف حتى كيف نختار من يمثلنا وينادي بحقوقنا الشرعية ؟!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق