في عام 1952م وقع الانقلاب العسكري في مصر ، واطيح في حينه بالملك فاروق ملك مصر آنذاك . وقد سمي الانقلاب بالحركة المباركة ، وغلب عليه اسم ثورة 23 يوليو . فهي في حقيقته انقلابا عسكريا ساندته الجماهير في حينه بخروجها الى الشارع و اعلانها دعم هذا الانقلاب .
ربما ماحدث آنذاك في مصر يسوغ اطلاق اسم ثورة على ذلك الانقلاب، حيث كانت ثورة بمعناها التغييري ، فتغير نظام الدولة من مملكة الى جمهورية ، كما حدث تغير كبير في نظام الاقطاع والطبقات ، و تحولت شيئا فشيئا الى النظام الاشتراكي .
ما يهمنا في ذلك الحدث هو خروج الجمهور الى الشارع ، ودعمه للانقلاب حتى تغير اسمه من انقلاب الى ثورة .
السؤال لماذا خرج الناس الى الشوارع و الميادين؟
قالوا في حينه انهم خرجوا سعيا وراء لجم الفساد ، وكبح جماح الفقر ، والعديد من الاسباب الاخرى . فالفساد كان محورا اساسيا للثورة ، كما كان سببا اساسيا لثورة 25 يناير الاخير في مصر و الذي اطاح بمحمد حسني مبارك .
بين الثورتين ما يناهز59 عاما ، و في كليهما يبرز رأسي الفساد و الفقر عاليين .
السؤال الاهم : لماذا لم تتغير الاوضاع؟ و لماذا لم يتم القضاء على الفساد اوعلى الاقل التقليل منه؟
الم يتم تغيير رموز الفساد بعد ثورة 23 يوليو؟
اذن لماذا عاد الفساد مجددا و استشرى في مصر؟
ليس غياب تطبيق القانون هو وحده السبب فيما حصل . فالقانون الصارم قد يمنع اللص من ان يسرق خوفا من العقاب ، و لكنه لا يحول اللص الى رجل ملائكي . وقد يكبح جماح المفسدين و لكنه لا يصنع الاحرار و المجاهدين في سبيل الاصلاح و البناء .
ان المشكل يقبع في مسألة التربية و الاصلاح ، فنحن نحتاج الى تغيير وعي امة .
قد سعى الثوار في عام 1952 الى تغيير الاشخاص و الرموز والدستور و القوانين ، و لكنهم لم يغيروا وعي الامة ، و لم يعيدوا تربية النشئ من جديد بما يساعد على خلق مجتمع مؤمن بالاصلاح ويسعى له ونابذ للفساد و المفسدين .
اذا كنا نحارب الفساد ، فمن الواجب ان يتزامن ذلك مع مقاومة الاسباب المؤدية الى هذا الفساد ، واما واذا تركت الامور على عواهنها من دون التفات الى جذور الفساد فلن نصل الى نتيجة مرضية و ستولد ثورات ثانية و ثالثة و عاشرة .
قد شهد آباءنا ثورة 23 يوليو في عام 1952م ، وشهدنا نحن ثورة 25 يناير عام 2011م ، ومن يدري؟ فقد يشهد ابناءنا ثورة مماثلة اخرى مادامت عوامل الفساد لم تجتث .
في مجتمعنا يتسابق المسؤول مع الزمن ليجني اكبر الارباح من منصبه - هذا رغم حبه للوطن – في توظيف لاقاربه ، او تمرير معاملات معينة تربطه بها مصالح خاصة ، الى اخر اشكال المحسوبية . بل اننا قد نلمس هذا في عضو مجلس الشورى – ممثل الشعب – حيث يجهد بعض الاعضاء انفسهم في سبيل الحصول على اراض سكنية و تجارية و صناعية... في مختلف ربوع البلاد ، فضلا عن سعيهم الدؤوب لاقامة علاقة مصالح شخصية مع كبار المسؤلين في الدولة .
هذا التوجه من قبل المسؤولين و الوجهاء سمة عامة في مجتمعنا ، وقد اصبح عرفا اجتماعيا ، فهو غير محصور في فئات معينة ، بل اغلب افراد المجتمع هذا ديدنهم عند تقلدهم مسؤولية معينة ، وما انتشار " الواسطة " الا صورة من صور هذا العرف الاجتماعي السائد بقوة .
ليس ضعف الوازع الديني و الاخلاقي هو السبب فقط لانتشار ظاهرة الفساد و المحسوبية في المجتمع ، بل اكثر من ذلك هو هذا العرف السائد الذي يؤدي في نهاية المطاف بالمسؤول – الذي يقضي في العادة عقود في منصبه – الى التلاعب بمقدرات الدولة و حقوق المواطنين .
ينبغي على المسؤولين في الدولة و خاصة المنوط بهم النظام التربوي و الاعلامي و الديني ان يدرسوا هذا التوجه ، وان يضعوا العلاج المضاد له . يجب ان نغير من النظام التربوي و الاعلامي وان نطور الخطاب الديني بما يتلائم مع معالجة مشكلاتنا و همومنا .
هذا التغيير لن يؤتى ثماره في غضون سنوات قليلة ، فتغيير اعراف ووعي امة ليس بالامر اليسير ، و هو يحتاج الى مواصلة ومثابرة لسنوات مديدة قد تصل الى جيلين او ثلاثة اجيال حتى نجني ثمار هذه الاستجابة الانسانية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق