ان الظواهر المستحدثة والغريبة تجد لها متنفسا وانتشارا اكبر بالتزامن مع الحوادث الكبرى التي تهز أي مجتمع . ولهذا تعد هذه المناسبات فرصة ملائمة لاعادة البناء و الهدم او التجديد لمجموعة من القيم والمعتقدات ، او لبث الافكار الصالح منها اوالطالح . ولذا فإن اعادة قراءة الاحداث ونقدها ضروري لتقييم الاوضاع وفرزها بما يلائم المجتمع ويعضد من عملية التجديد المستمر لها .
*** *** ***
المكان هو احد ميادين الاعتصامات ، والزمان هو يوم الجمعة ظهرا قبيل الخطبة . هناك اختلف الجموع في شخص الامام والخطيب ، وسبب هذا الخلاف ان احد هؤلاء المرشحين للخطبة والصلاة متهم من قبل فئة من المعتصمين ، حيث شكك بعضهم في وطنيته ، كما اتهمه البعض ايضا بالعمالة للحكومة ! .
هذه الاتهامات وجهت بعد ان ضُبط صاحبنا المترشح للخطبة قبل عدة ايام من الاعتصامات وهو يرتكب (جريمة) الثناء على الحكومة ! .
الشاهد من هذا ان البعض قد نصب نفسه متحدثا بإسم الشعب والوطن . لا ندري من الذي صدره ، ولا نعرف كذلك من اعطاه حق احتكار الوطنية لفئة يختارها اخونا ويقيمها ، ويمنعها فئة اخرى .
المهم ان الذي لا يعجبه هو عميل و مطعون في وطنيته ، فقد اصبحت الوطنية في عهده تُوزع في صكوك اشبه ربما بصكوك الغفران التي كانت تصدرها الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى .
هذه الوجوه الجديدة من البابوات العصرية كرمها غامر ، فهي لا تبخل ابدا ان تخلع على احد – اياً كان هذا الاحد – لقب عميل او خائن ، رغم ان هذا الموسوم بالعمالة والخيانة قد يكون له اياد بيضاء على الناس ، وممن له سابقة فضل على المجتمع . لكن هذا البابا المستنسخ لا يأبه بهذا كله ولا يعترف به .
من المفارقات ان هذا الكرم الحاتمي في توزيع صكوك العماله والقذف والتشهير بالمخالف يقابله شح شديد في تقديم خدمة مفيدة للوطن . فهذا (البابا) – في الغالب – لم يكن يرضى ان يقدم خدمة للمجتمع الا بمقابل مادي ، فهو يتساوى مع العامل الوافد الذي لا يعرف معنى الوطنية للارض التي يعمل عليها ، ويأبى ان يقدم خدمة تطوعية – ولو يسيرة – للوطن .
ان الاصرار على تصنيف الناس الى فئتين لا ثالث لهما – فئة العميل والخائن ، وفئة الوطني – ظلم كبير يأباه الشرع والقانون ، كما ترفضه الفطرة السليمة ، وهي موافقة للمبدأ اليوناني القديم للمناطقة القائل :" الذي ليس معي فهو ضدي " ، ومخالفة لقول الله تعالى : " ولا يجرمنكم شنئان قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى " ( المائدة : 8 ) .
اننا نرفض هذه ( البلطجة الفكرية ) كوننا مجتمع يعتز بثوابته الاسلامية ، كما سنرفض – بإذن الله – الفئوية والعصبية الجاهلية التي مازالت تنهش في اركان الوطن .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق