السبت، 20 أغسطس 2011

مستبد ينادي بالحرية

   يذكر الدكتور علي الوردي – في معرض حديثه عن المجتمع العراقي – انه بعد اعلان المشروطية في العهد العثماني والتي كانت ترفع شعار " الحرية والعدالة والمساواة " قام احد اللصوص بالسطو على بيت وقتل صاحبه . فلم قدم للمحاكمة ، وصدر عليه حكم الاعدام تعجب وقال : اين هي الحرية التي تنادون بها ؟! .
   علق الوردي على هذه الحادثة قائلا : " انه ظن (أي اللص) ان الحرية هي ان يسمح للانسان بأن يسطو ويقتل كما يشاء " . فقد فهم هذا اللص الحرية بإطلاقها دون تقييد ، وخلط بين حقوقه وحقوق الناس .
   اننا نلمس بعض جوانب هذا الخلط بين فئة من اخواننا المعتصمين ، حيث اختلط مفهوم الحرية الذي نادوا به ، وذلك بالمساس بحرية باقي المواطنين والمقيمين وحقوقهم الاصيلة .
   انه من التعارض ان يدعو المرء الى الحرية ثم يقوم بمصادرة حرية الآخرين . ومن صور هذا التناقض ان يدعو احدنا الى الحرية ثم يقوم بإغلاق الشارع على مستخدميه وذلك بحجة زيادة الضغط على الحكومة .
اليس من حق الاخرين ايضا ان يذهبوا الى اعمالهم ومشاغلهم او حيث شاءوا ؟ّ!
هل الحرية التي يريدها هؤلاء حكرا فقط عليهم هم ورفاقهم دون الاخرين؟!
   هو يرى ان له الحق ان يعتصم ويتظاهر ويطالب ، ونحن نرى ايضا انه من حق الآخر ان يكون له الحرية في الاختيار ، ومن حقه ان يعتصم او يرفض الاعتصام ، ويذهب الى وظيفته كالمعتاد دون مصادرة حريته الشخصية .
   اذا اعطى المتظاهر لنفسه الحق ان يضغط على المسؤولين لارغامهم على الوفاء بحقه ، فمن اعطاه الحق ان يجعل من الاخر ضحية ووسيلة للحصول على مطالبه .
   المشكلة ان بعضنا يريد من العالم كله ان يفكر بنمط أُحادي ، وهو نمط تفكيره واسلوبه في الحياة . يريد البعض هذا وكأن افكارهم ومنهجهم تراث مقدس يجب المحافظة عليه واتباعه .
   ان الدعوة او ارغام المجتمع على اتباع منهج " آحادية التفكير " هي دعوة مقنعة للاستبداد والظلم . وهذا امر يرفضه المجتمع بكل شرائحه .
   ولا يفوتني ان اذكر بضرورة تقنين الدعوة الى الحرية بضوابط تعكس ظروف المجتمع المحلي ، فإذا كانت الدعوات الغربية تنصب في قالب الحرية المطلقة ، فنحن ندعو الى الحرية المنضبطة .
   فهذا المذهب المطلق في الحرية لا يرى بأسا اذا تجرأ احدهم وطعن في الذات الآلهية ، او بأحد من الانبياء ، فهذا عندهم يقبع تحت مظلة حرية التعبير والاعتقاد .
   ان الدعوة الى تطبيق هذا المذهب في مجتمعنا هي دعوة عمياء لا تبصر خصوصية المجتمع المحلي المغاير الى حد بعيد تلك المجتمعات الغربية ، فليس كل ما يلائم الغرب يلائمنا بالضرورة .
   ان التطبيق المطلق لحرية التعبير والاعتقاد يصدم الى حد التصدع البنية الاجتماعية الخاصة بنا ، فضلا عن تعارضها الصارخ للثوابت الاسلامية ، وحيث ان القوانين تعكس روح المجتمع فهذا تصادم اخر مع التشريعات القانونية التي تطبق في الاصل للحفاظ على المجتمعات من الانحلال والتفكك .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق