الثلاثاء، 30 أغسطس 2011

قصيدة الابن العاق وقلب الام الحنون

هذه احدى القصائد الرائعة البسيطة في كلماتها ، العميقة في دلالاتها ، فهي تعبر عن مشاعر الام الحنون دوما تجاه ابنها رغم جفوته لها وعقوقه . انها تحكي قصة مُتخيلة ، ولكنها حقيقية في التعبير عن حنان الام اللامتناهي .
  هذه القصيدة في جزءها الاول من نظم الشاعر والاديب الفرنسي لامارتين ، ومن تعريب الشاعر اللبناني ابراهيم المنذر ، حيث قام بعدها بنسج ابيات مكملة لقصيدة لامارتين لتكمل قصة الابن العاق وقلب الام الحنون .
الجزء الذي باللون الاحمر للشاعر الفرنسي لامارتين ، والجزء الذي باللون الاسود للشاعر اللبناني ابراهيم المنذر .


أغرى امرئ يوما غلاما جاهلا
بنقوده كيما ينال به الوطر

قال ائتني بفؤاد أمك يا فتى
ولك الدراهم والجواهر والدرر

فمضى وأغرز خنجرا في صدرها
والقلب أخرجه وعاد على الأثر

لكنه من فرط سرعته هوى
فتدحرج القلب المقطع إذ عثر

ناده قلب الأم وهو معفّـر
ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر ؟

فكأن هذا الصوت رغم حنوه
غضب السماء على الغلام قد انهمر

ودرى فظيع خيانة لم يأتها
احد سـواه منـذ تاريـخ البشـر

فارتد نحو القلب يغسله بما
اجرت دموع العين من سيل العبر

ويقول ياقلب انتقم مني ولا
تغفر فإن جريمتي لا تغتفر

واذا غفرت فانني اقضي انتحارا
مثلما بغاث قبلي انتحر

واستل خنجره ليقتل نفسه
طعنا فيبقى عبرة لمن يعتبر


ناداه قلب الأم كف يدا ولا
تذبح فؤادي مرتين على الأثر
تابع القراءة ....

الجمعة، 26 أغسطس 2011

صلاة العيدين

حكم صلاة العيدين :
-         سنة مؤكدة على كل مسلم و مسلمة .
من سنن العيد :
-         يُسن للمسلم ان يذهب الى الصلاة من طريق ويعود من طريق آخر .
-         يُسن للمسلم ان يأكل قبل الخروج لصلاة عيد الفطر تمرات وترا ( أي عددا فرديا حبة واحدة او ثلاثة او خمسة وهكذا ) .
-         يُسن للمسلم في عيد الاضحى ان يُمسك عن الاكل حتى يأكل من اضحيته .
صفة صلاة العيدين :
-         ركعتان ، من دون أذان ولا إقامة .
-         يُكبر الامام في الركعة الاولى سبعا او تسعا بتكبيرة الاحرام . اما في الركعة الثانية  يُكبر خمس تكبيرات .
-         من ادرك الامام قبل سلامه من صلاة العيد ، قام بعد سلام الامام واتمها على صفتها .
-          من فاتته صلاة العيد ، فإنه لا يقضيها .
اوقات التكبير :
-         يبدأ وقت التكبير في عيد الفطر من ليلة العيد حتى يصلي صلاة العيد .
-         يبدأ وقت التكبير في عيد الاضحى من دخول عشر ذي الحجة الى غروب الشمس من اليوم الثالث عشر .
الحكم اذا وافق العيد يوم الجمعة :
-         اذا اتفق عيد ( الفطر او الاضحى ) في يوم جمعة سقط حضور الجمعة عمن صلى العيد ، ويصلون ظهرا ، الا الامام فإنها لا تسقط عنه .
-         اما من لم يصل العيد ، فصلاة الجمعة واجبة عليه .
-         يجوز للمسلم ان يصلي الصلاتين ( صلاة العيد والجمعة ) كل صلاة في وقتها .

( المصدر : كتاب مختصر الفقه الاسلامي للشيخ محمد بن ابراهيم التويجري )
تابع القراءة ....

صلاة الجمعة

حكم صلاة الجمعة :
-         ركعتان ، وتجب على كل مسلم  ذكر ، بالغ ، عاقل ، مقيم .
-         لا تجب الجمعة على المرأة والمريض والصبي والمسافر .
-         تكفي عن صلاة الظهر ، فلا يجوز لمن صلاها ان يصلي بعدها ظهرا .
-         من ترك ثلاث جُمع متهاونا طبع الله على قلبه .
من شروط اقامة الجمعة :
-         يجب اداءها في وقتها ، وان يحضرها جماعة لا يقلون عن ثلاثة من اهل البلد ، وان يتقدمها خطبتان .
افضل وقت السعي الى الجمعة :
-         المستحب : يبدأ من طلوع الشمس .
-          الواجب : يبدأ عند الاذان الثاني .
-         جاء في الحديث انه من راح الى المسجد في :
الساعة الاولى : كأنما قرب بدنه
الساعة الثانية : كأنما قرب بقرة
الساعة الثالثة :كأنما قرب كبشا اقرن
الساعة الرابعة : كأنما قرب دجاجة
الساعة الخامسة : كأنما قرب بيضة
-         يعرف المسلم الساعات الخمس بان يُقسم مابين طلوع الشمس الى مجئ الامام الى خمسة اقسام ، وبذلك يعرف مقدار كل ساعة .
المسبوق متى يدرك الجمعة؟
-         من ادرك مع الامام ركعة من الجمعة جاء بركعة اخرى واتمها جمعة .
-         ان ادرك اقل من ركعة فينويها ظهرا ويصلي اربع ركعات .
-         من فاته صلاة الجمعة قضاها ظهرا اربع ركعات .
سنة الجمعة :
-         قبل الجمعة : لايوجد سنة ، وللمسلم ان يصلي ما شاء .
-         بعد الجمعة : يسن ان يصلي في بيته ركعتين ، وفي بعض الاحيان اربعا بسلامين .اما اذا صلى في المسجد فيصلي اربعا بسلامين .
-         يُسن ان يقرأ المسلم سورة الكهف ليلة الجمعة ( أي الخميس ليلا ) ، او يوم الجمعة .

الحكم اذا وافق العيد يوم الجمعة :
-         اذا اتفق عيد ( الفطر او الاضحى ) في يوم جمعة سقط حضور الجمعة عمن صلى العيد ، ويصلون ظهرا ، الا الامام فإنها لا تسقط عنه .
-         اما من لم يصل العيد ، فصلاة الجمعة واجبة عليه .
-         يجوز للمسلم ان يصلي الصلاتين ( صلاة العيد و الجمعة ) ، كل صلاة في وقتها .


 ( المصدر : كتاب مختصر الفقه الاسلامي للشيخ محمد ابراهيم التويجري )
تابع القراءة ....

السبت، 20 أغسطس 2011

صوفي في حب الوطن

   حينما قامت الاعتصامات في ربوع السلطنة واشتد عودها راج بين الناس سؤال كان وقتها دائم الترداد ، حتى صارت عند البعض عبارة تُقال عوضا عن تحية السلام . فلم تكد تُحيي احد قابلته حتى يبدأ السؤال بحماس عجيب بقوله : انت مع الشعب  ام مع الحكومة ؟! .
   انني اعود بمخيلتي - عندما يطرح هذا السؤال - الى القرون الغابرة ، عندما يتواجه جيشان قبل بدء المعركة ، حيث يتخذ كل منهما موقعا يقابل فيه عدوه قبل الالتحام . فأتخيل جيشين ، الاول جيش الشعب والثاني جيش الحكومة .
   ان الاجابة دائما اننا مع الوطن ، فالوطن يشمل بين جنباته الحكومة والشعب ، وهو يسع الجميع . ولهذا فنحن مع الوطن من دون فصل بين مكوناته .
   اننا لسنا ضد الحكومة لمجرد انها تمثل الدولة ، على العكس ، فنحن ضد الفساد اينما كان موقعه ، سواء اكان موجودا بين بعض من يمثل الحكومة ، او مدسوسا بين بعض افراد الشعب ، سواء اكان هذا الفاسد وزيرا في الدولة ام مزارعا في ارضه او عاملا بسيطا في وظيفته ولكنهم جعلوا من اعمالهم وسلوكهم باباً الى الافساد في هذا الوطن .
   الوطن اكبر من ان يتمثل في شارع او حديقة او مبنى حكومي . ان حب الوطن غرس مكنون في القلب يصعب التعبير عنه ووصفه او الوفاء له بكل حقه .وما اجمل ان يكون كل واحد من افرادها ( صوفياً في حب الوطن ) .
   ان الوطن هو روح قبل ان يكون مادة ، لهذا يحب البدوي ارضه رغم انها صحراء قاحلة بالكاد توفر له ضروريات المعيشة ، تماما كما يحب الثري – الذي يعيش في قصور فارهة ويتنقل في سيارات فارهة – وطنه .
   فالغني مثل الفقير ، والبدوي مثل الحضري ، والمؤمن تماما كالملحد في حبهم للوطن الذي نشأوا فيه . انه شعور جبل عليه الانسان بطبيعته .
   ان تحجيم الوطنية وحكرها في المادة يسوقنا الى اخراج الوطن من اطار القدسية الذي نحيطه دوما بها . واننا بهذا التحجيم نعرض الوطن لمخاطر الخيانة والتخريب ، حيث لا يرضى عن الوطن الا من اغُدق عليه من خيراتها واغُرق في الثراء .
وهيهات له ان يرضى " فلو أُعطي واديا من ذهب لاحب اليه ثانيا ولا يملئ جوف ابن ادم الا التراب " .
   ان ذلك الذي يخون الوطن بتعاونه مع من يتربص بها الدوائر ، لا يختلف كثيرا عن الفاسد الذي يختلس من المال العام ، او هذا المخرب لمرافق الوطن ومنشآته ، فكلهم اجتمعوا على افساد الوطن وتعريف الوطنية بمنظور المادة البحتة المنزوعة الروح . وعندها ليس لنا ان نتعجب لماذا خانوا و سرقوا؟ّ! او كيف تجرؤا ان يخربوا ويحرقوا؟! .
تابع القراءة ....

البلطجة الفكرية

  
   ان الظواهر المستحدثة والغريبة تجد لها متنفسا وانتشارا اكبر بالتزامن مع الحوادث الكبرى التي تهز أي مجتمع . ولهذا تعد هذه المناسبات فرصة ملائمة لاعادة البناء و الهدم او التجديد لمجموعة من القيم والمعتقدات ، او لبث الافكار الصالح منها اوالطالح . ولذا فإن اعادة قراءة الاحداث ونقدها ضروري لتقييم الاوضاع وفرزها بما يلائم المجتمع ويعضد من عملية التجديد المستمر لها .
                                          ***   ***   ***
   المكان هو احد ميادين الاعتصامات ، والزمان هو يوم الجمعة ظهرا قبيل الخطبة . هناك اختلف الجموع في شخص الامام والخطيب ، وسبب هذا الخلاف ان احد هؤلاء المرشحين للخطبة والصلاة متهم من قبل فئة من المعتصمين ، حيث شكك بعضهم في وطنيته ، كما اتهمه البعض ايضا بالعمالة للحكومة ! .
   هذه الاتهامات وجهت بعد ان ضُبط صاحبنا المترشح للخطبة قبل عدة ايام من الاعتصامات وهو يرتكب (جريمة) الثناء على الحكومة ! .
   الشاهد من هذا ان البعض قد نصب نفسه متحدثا بإسم الشعب والوطن . لا ندري من الذي صدره ، ولا نعرف كذلك من اعطاه حق احتكار الوطنية لفئة يختارها اخونا ويقيمها ، ويمنعها فئة اخرى .
   المهم ان الذي لا يعجبه هو عميل و مطعون في وطنيته ، فقد اصبحت الوطنية في عهده تُوزع في صكوك اشبه ربما بصكوك الغفران التي كانت تصدرها الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى .
   هذه الوجوه الجديدة من البابوات العصرية كرمها غامر ، فهي لا تبخل ابدا ان تخلع على احد – اياً كان هذا الاحد – لقب عميل او خائن ، رغم ان هذا الموسوم بالعمالة والخيانة قد يكون له اياد بيضاء على الناس ، وممن له سابقة فضل على المجتمع . لكن هذا البابا المستنسخ لا يأبه بهذا  كله ولا يعترف به .
   من المفارقات ان هذا الكرم الحاتمي في توزيع صكوك العماله والقذف والتشهير بالمخالف يقابله شح شديد في تقديم خدمة مفيدة للوطن . فهذا (البابا) – في الغالب – لم يكن يرضى ان يقدم خدمة للمجتمع الا بمقابل مادي ، فهو يتساوى مع العامل الوافد الذي لا يعرف معنى الوطنية للارض التي يعمل عليها ، ويأبى ان يقدم خدمة تطوعية – ولو يسيرة – للوطن .
   ان الاصرار على تصنيف الناس الى فئتين لا ثالث لهما – فئة العميل والخائن ، وفئة الوطني – ظلم كبير يأباه الشرع والقانون ، كما ترفضه الفطرة السليمة ، وهي موافقة للمبدأ اليوناني القديم للمناطقة القائل :" الذي ليس معي فهو ضدي " ، ومخالفة لقول الله تعالى : " ولا يجرمنكم شنئان قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى " ( المائدة : 8 ) .
   اننا نرفض هذه ( البلطجة الفكرية ) كوننا مجتمع يعتز بثوابته الاسلامية ، كما سنرفض – بإذن الله – الفئوية والعصبية الجاهلية التي مازالت تنهش في اركان الوطن .
تابع القراءة ....

اختلاف لا خلاف

   ان العقل والتفكير لا يصلان بالانسان الى الحقيقة المجردة كما كان يتصور المناطقة القدماء وعلى رأسهم ارسطو ، فلو كان الامر كذلك لما احتاج الناس الى وحي مُنزل يدلهم على حقيقة وجود الله ، حيث ان هذا القصور الانساني يكمله و يوجهه الوحي الالهي الذي لا ياتيه الباطل .
   وكذلك فإن المرء لا يمكنه ان يكون موضوعيا وحياديا تماما ، حتى ولو حاول جاهدا وصادقا ذلك . فالانسان ابن بيئته كما يقول علماء الاجتماع ، فهذه البيئة واسلوب التربية والعادات والتقاليد والمعتقد كل هذا يؤثر كثيرا او قليلا في طريقة سبره للامور , بل حتى التجارب الشخصية والعقد النفسية توجه تفكير المرء بشكل او بآخر . وهنا يكمن وجه القصور في عملية التفكير .
   فلو اعتقدنا هذا المبدأ وسلمنا به – أي القصور في اوجه التفكير البشري – كان من الاجدى ان نرجع عمليات تفكيرنا الى ثوابت ومعتقدات لا يعتريها الباطل لتقويم عملية التفكير ولكي تحميها من الانحراف . ونحن كمسلمين نؤمن بيقين ان الوحي الالهي هو الثابت الذي نركن اليه في هذه العملية المعقدة . قال الله تعالى : " فإن تنازعتم في شئ فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير واحسن تأويلا " . ( النساء : 59 ) ولهذا من الاحرى ان لا نخرج في آراءنا ونظرياتنا من اطار الوحي المعصوم حتى نصل الى نتائج اقرب الى الحقيقة الكاملة .
   فالعقول البشرية كثيرا ما تصل الى نتائج مختلفة ومتباينة في الموضوع الواحد ، وقد يؤدي هذا الاختلاف الى خلاف ويتهم كلٌ الاخر بعدم الموضوعية والانحياز والقصور . والحقيقة ان الاختلاف سنة الله في خلقه " ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين " ( هود : 118)
   من كل هذا نخرج برؤية مفادها : اذا تفهمنا ان الاختلاف في الاراء بين البشر سنة كونية ، فينبغي لكل من يتفهم هذه الحقيقة ان يحترم الرأي المقابل . وبالطبع فإن هذا الاختلاف ليس بإطلاقه ، بل يتقيد بضابط التسويغ . فهذا الاختلاف ينبغي ان ينطلق من مقدمات تحتمل التفسير بأوجه متعددة ، وليس بإستخدام التأويل القسري .
   كانت هذه المقدمة ضرورية للتطرق الى حديثنا عن الاعتصامات ، فإذا ءامنا ان الاختلاف سنة كونية لم نُفاجأ بتعدد الاراء حول اهمية الاعتصامات .
                                      
                                        ***   ***   ***
   وصف احد الناشطين والمنادين بالدستور التعاقدي - في مقالة له – الذين يعارضون هذا الدستور ( بالغوغائيين ) , كما وصفت احدى الناشطات المعارضين للدستور ( بالاغبياء ) " فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد اشحةً على الخير "( الاحزاب : 19)
وياسبحان الله ! هؤلاء الناشطين كثيرا ما كانوا يتحفونا بالحديث عن الحرية وحق الانسان في التعبير عن الرأي ، وهم انفسهم قد قالوا ما عندهم وربما اكثر في مختلف ميادين الاعتصامات ، وسابقا في بعض القنوات الخارجية والصحف غير المحلية . ولكن العجيب ان دعاة الحرية هؤلاء هم انفسهم من يصادر الافكار وحرية التعبير بمجرد انها خالفت توجهاتهم ودعواتهم .
   أليس من التعارض لمبدأ حرية التعبير – وهم الذين بُحت اصواتهم وهم ينادون به – ان يتهجموا على المعارضين لهم بالسب والشتم فقط لانهم خالفوهم في قول او فكر؟! .
هاهم بدؤا بالسب والشتم وهم لا يزالون في صفوف الجماهير ، ولم يتولوا بعد اية مسؤولية كبيرة في الدولة ، وانني اتسأل : ماذا كانوا فاعلين لو وصلوا الى مراتب السلطة العليا؟! . اظن ان بعض هؤلاء الحقوقيون – كما يسمون هم انفسهم – سيتحولون بقدرة قادر الى استبداديين بمجرد ان احدهم  تجرأ وعارضهم . وربما لن يفعلوا اكثر من تكميم افواه معارضيهم لمنعهم من التصريح . " وتلك الايام نداولها بين الناس " (آل عمران : 140) .
   يذكرني هذا الصنف من دعاة الحرية بالمعتزلة في العصر العباسي . فقد كان المعتزلة في بداية نشأتهم وضعفهم مطاردين ( بالطبع حال اصحابنا الحقوقيون في مجتمعنا احسن بكثير من حال المعتزلة آنذاك ) وكانوا حينها ينادون بنبذ التعصب ، ويدعون الناس الى اعمال الفكر الحر ، والدعوة الى حرية المبادئ والاعتقاد .
   ولكن انقلبت الآية حينما وصلوا الى مدارج السلطة في عهد الخليفة العباسي المأمون ، حيث اضطهدوا العلماء في حينه ، فسُجن البعض ، وجُلد آخرين ، كما قتلوا البعض الآخر ، فكان ما يعرف في التاريخ الاسلامي بالمحنة .
   ان تصرفهم ذاك كان مناقضا لما دعى اليه منظريهم سابقا ، والزموا انفسهم به ، وطُوردوا وسُجنوا في سبيله .
   ان التاريخ لا يعيد نفسه ، لكن السنن الكونية والظواهر الكبرى تبقى ثابتة لا تغيرها الايام والسنون ، وهي التي تطل برأسها موحيةً  خطأً بتكرر حوادث التاريخ .
   ان من الطبائع المنغرسة في اكثر فئات مجتمعنا المحلي هو الميل الى التسلط والقيادة ، والاستياء من معارضة الآخر للرأي ، حيث يخلط المرء بين الذات والموضوع ، فيظن ان أي انتقاد لرأيه هو انتقاد لشخصه وطعن في كرامته ، فيثور ثائرته  " يحسبون كل صيحة عليهم " (المنافقون : 4) .
   ربما كنت هذه المشاعر والميول هي من اثر بقايا البيئة الجغرافية على ابنائها ، فأغلب افراد المجتمع بين ان يكون بدويا نسبة او تأثراً ، او حديث العهد بالبداوة ، ولا يخفى ان آثار الاعراف والعادات تظل باقية في دخائل النفس لسنوات وربما لاجيال حتى تبدأ بالخفوت , واخواننا الحقوقيون هم من فئة الائمة الغير معصومين ، والذين تنطبق عليهم سنن الله في خلقه ، ويبدو ان كلمات مثل (غوغائيين) و (اغبياء) هي من آثار عصر البداوة الفكرية فضلا عن البداوة الجغرافية .
تابع القراءة ....

مستبد ينادي بالحرية

   يذكر الدكتور علي الوردي – في معرض حديثه عن المجتمع العراقي – انه بعد اعلان المشروطية في العهد العثماني والتي كانت ترفع شعار " الحرية والعدالة والمساواة " قام احد اللصوص بالسطو على بيت وقتل صاحبه . فلم قدم للمحاكمة ، وصدر عليه حكم الاعدام تعجب وقال : اين هي الحرية التي تنادون بها ؟! .
   علق الوردي على هذه الحادثة قائلا : " انه ظن (أي اللص) ان الحرية هي ان يسمح للانسان بأن يسطو ويقتل كما يشاء " . فقد فهم هذا اللص الحرية بإطلاقها دون تقييد ، وخلط بين حقوقه وحقوق الناس .
   اننا نلمس بعض جوانب هذا الخلط بين فئة من اخواننا المعتصمين ، حيث اختلط مفهوم الحرية الذي نادوا به ، وذلك بالمساس بحرية باقي المواطنين والمقيمين وحقوقهم الاصيلة .
   انه من التعارض ان يدعو المرء الى الحرية ثم يقوم بمصادرة حرية الآخرين . ومن صور هذا التناقض ان يدعو احدنا الى الحرية ثم يقوم بإغلاق الشارع على مستخدميه وذلك بحجة زيادة الضغط على الحكومة .
اليس من حق الاخرين ايضا ان يذهبوا الى اعمالهم ومشاغلهم او حيث شاءوا ؟ّ!
هل الحرية التي يريدها هؤلاء حكرا فقط عليهم هم ورفاقهم دون الاخرين؟!
   هو يرى ان له الحق ان يعتصم ويتظاهر ويطالب ، ونحن نرى ايضا انه من حق الآخر ان يكون له الحرية في الاختيار ، ومن حقه ان يعتصم او يرفض الاعتصام ، ويذهب الى وظيفته كالمعتاد دون مصادرة حريته الشخصية .
   اذا اعطى المتظاهر لنفسه الحق ان يضغط على المسؤولين لارغامهم على الوفاء بحقه ، فمن اعطاه الحق ان يجعل من الاخر ضحية ووسيلة للحصول على مطالبه .
   المشكلة ان بعضنا يريد من العالم كله ان يفكر بنمط أُحادي ، وهو نمط تفكيره واسلوبه في الحياة . يريد البعض هذا وكأن افكارهم ومنهجهم تراث مقدس يجب المحافظة عليه واتباعه .
   ان الدعوة او ارغام المجتمع على اتباع منهج " آحادية التفكير " هي دعوة مقنعة للاستبداد والظلم . وهذا امر يرفضه المجتمع بكل شرائحه .
   ولا يفوتني ان اذكر بضرورة تقنين الدعوة الى الحرية بضوابط تعكس ظروف المجتمع المحلي ، فإذا كانت الدعوات الغربية تنصب في قالب الحرية المطلقة ، فنحن ندعو الى الحرية المنضبطة .
   فهذا المذهب المطلق في الحرية لا يرى بأسا اذا تجرأ احدهم وطعن في الذات الآلهية ، او بأحد من الانبياء ، فهذا عندهم يقبع تحت مظلة حرية التعبير والاعتقاد .
   ان الدعوة الى تطبيق هذا المذهب في مجتمعنا هي دعوة عمياء لا تبصر خصوصية المجتمع المحلي المغاير الى حد بعيد تلك المجتمعات الغربية ، فليس كل ما يلائم الغرب يلائمنا بالضرورة .
   ان التطبيق المطلق لحرية التعبير والاعتقاد يصدم الى حد التصدع البنية الاجتماعية الخاصة بنا ، فضلا عن تعارضها الصارخ للثوابت الاسلامية ، وحيث ان القوانين تعكس روح المجتمع فهذا تصادم اخر مع التشريعات القانونية التي تطبق في الاصل للحفاظ على المجتمعات من الانحلال والتفكك .
تابع القراءة ....