الاثنين، 30 أبريل 2012

وقوع الطلاق بين جامعة السلطان قابوس والأخلاق


يقول الشاعر ابراهيم اليازجي :



ألِفْتُمُ الهون حتى صار عندكم               طبعا وبعض طباعِ المرء مكتسب



وفارقتكم لطـول الذل نخوتكم                فلـيس يؤلمكــم خسف ولا عـطب



[ هذه الابيات مهداة الى المسؤولين بجامعة السلطان قابوس ممن وافق على قرار استضافة نانسي عجرم ]



                                  
                        ***************************************


   زفت الينا صحفنا المحلية بتاريخ (21/3/2012م) خبر إقامة حفل كبير ، يقام على أرضنا الطاهرة ، أبرز حضوره يتمثل في عروس الإغراء الفنانة اللبنانية نانسي عجرم ، تزفها راقصتان عالميتان ، والخبر الآخر السعيد أيضا هو حضور الممثلان التركيان ( نور ومهند ) ، الشهيران فقط في وطننا العربي ، وليس في أي مكان آخر حتى تركيا نفسها – حيث يعدان من ممثلي الصف الثاني في بلادهما . إلى هنا لسنا بصدد التعجب من جلب هذه الثلة من النجوم !! فقد عودتنا حكومتنا ( الرشيدة ) – راعية الفن – من إتحافنا نحن الشعب الطيب بمثل هذه المفاجأت بين آونة وأخرى .

  يتبادر إلى الذهن مباشرة  أثناء الإطلاع على الإعلان أن الجهة المنظمة قد تكون وزارة السياحة ، او وزارة الإعلام . حتى مجرد إحتمال أن وزارة التراث والثقافة هي الجهة المنظمة للحفل لم يقع في خاطري ، تماما كما لم يتوقعه كثيرون سواي ، ممن لا يزالون يحسنون الظن بالعالم المتغير من حولنا .

   تصور الكثرة الكاثرة من الجمهور أن المكان اللائق والأنسب لمثل هذه الألوان من الإحتفالات ستكون إحدى الفنادق التي تزخر بها مسقط العامرة ، كفندق قصر البستان – مثلا - لكن أبى ذوو السلطة في بلادنا إلا أن يقدموا مفاجأة إلى الشعب كما جرت العادة . فلن نتطرق إلى المبالغ الطائلة التي صرفت على استجلاب نانسي عجرم والراقصتين ( الفاضلتين ) – طبعا المال ليس من جيوب المسؤولين – لن نتطرق إلى ذلك ؛ حتى لا يوجه طبقة المثقفين نحونا تهمة التخلف والرجعية ، فقد صرنا نخاف أن نوسم بمثل هذه التهمة اللصيقة .


ولكن إذا حق لنا الكلام ، فهل من الممكن أن نتصور أن المكان المزمع على إقامة الحفل فيه آنذاك هي القاعة الكبرى بجامعة السلطان قابوس؟! حيث تغير هذا القرار لاحقا بالقوة ، رغما عن أنوف المسؤولين الكرام الذين سبق وأن عقدوا أمرهم على إقامة الحفل في هذه الجامعة الفتية العذراء ؛ وذلك لخشيتهم من أيّة إحتجاجات وإضطرابات قد تطولهم عاجلا أم آجلا .


هل من المعقول ومن المتصور أن تتحول جامعة العلم والأخلاق إلى جامعة للعري والغناء وهز الوسط؟!!


هل يحق للجامعة التي استضافة فاروق الباز وناصر الدين الأسد و العلامة بكر أبو زيد أن تستقبل نانسي عجرم ، وراقصاتٍ أُخَر ، ومن سار على هذا الدرب المظلم السحيق؟!! أين الثرى من الثريا؟!!


   لازلت أذكر جيدا المؤتمر الذي عقد بجامعة السلطان قابوس في عام (2001م) تحت عنوان " الثقافة والقيم " ، ولازلت أذكر حديث أحد المسؤولين بالجامعة حينها حيث قال : أن الجامعة تعمل على التوفيق بين العلم والقيم والثقافة .


للأسف قد تغير هذا التوجه في غضون عقد من الزمن .


   عندما افتتحت الجامعة في عام (1986م) كانت تتألف من خمس كليات علمية ، ولم تكن كلية الآداب والعلوم الإجتماعية حينذاك ضمن ذلك العقد الناشىء ، وفي إحدى المناسبات التي شرفها صاحب الجلالة السلطان قابوس نهض أحد رموز الإعلام والثقافة في عمان ، موجها حديثه نحو صاحب الجلالة متسائلا ضمن سياقٍ لبق : كيف يتسق أن نقيم جسدا بلا روح؟! فكلية الآداب هي الروح التي تسمو بهذا الجسد الممثل بالكليات العلمية . فأمر صاحب الجلالة – حفظه الله – بإقامة كلية الآداب ، رغم إستياء البعض وإعتراضهم .


   إن الأخلاق والقيم هي أسمى مافي هذه الروح ، وبحق فقد مثلت كلية الآداب هذه الروح ، فما فتئت في تنظيم المؤتمرات والندوات والمحاضرات التي تُعنى بالأخلاق والقيم والثقافة ، وما من شأنه أن يسمو في تعزيز الروح والنهوض بها في مواجهة المادية والعولمة والإنحلال .



   عندما التحقت بالجامعة طالبا لأول مرة شد إنتباهي اللافتات المثبتة على الجدران ، حيث تشير إلى ممرات الطلبة الذكور ؛ لتفصلها عن ممرات الطالبات . كانت هذه لفتة موفقة من إدارة الجامعة – آنذاك – حيث أنها تشير في دلالتها إلى إهتمام الجامعة البالغ بالأخلاق والإلتزام . صحيح أنه لم يكن هناك إلزام للتقيد والفصل بين الجنسين في العبور بتلك الممرات ، لكن مجرد وجودها يكفي للدلالة إلى مدى الحرص على القيم ، وعدم التفريط بها .


وأذكر أيضا المسرحية الطلابية التي أقيمت في قاعة المؤتمرات بالجامعة حين أخرج أحد الممثلين سروالا نسائيا ، نعده من الملابس الداخلية في عرفنا ، فقامت الدنيا ولم تقعد حينها ، لتثبت إدارة الجامعة مجددا أنها لا تتهاون في مسألة القيم ولا تساوم عليه .


   قد قامت الجامعة على إيمان لا يتزعزع أن هناك تلازما لا ينفك ، وصلة وطيدة بين العلم والقيم ، بل إن القيم والأخلاق هي الفضيلة الأولى في ثقافتنا ، وليست الحرية المطلقة ، كما هو حاصل في الغرب المهيمن . ومن هذا المبدأ فإن لفظ التربية تسبق دوما لفظ التعليم ضمن السياقات الإعلامية والتربوية المتداولة .


   مرت السنوات عجلى ... وامتدت معها أذرع العولمة – الكامن في رحمها التغريب والأمركة – إلى كل شؤون حياتنا ، فلا قوة بشرية تستطيع ان توقفها ، فاخترقت حتى غرف نومنا ، وشاركتنا - بهيمنة - في أخص خصائصنا ، متجسدة في صور متعددة أهمها التلفاز والبث الرقمي والإذاعة والسينما والصحف والإنترنت . لم تكتفِ العولمة أن تحتل العالم المادي ، بل امتدت أذرعها الآثمة لتنتهك حرمة الروح ، وتقبع في عقولنا ، لنعيش في صراعٍ مريرٍ، سواء أأدركنا ذلك أم غفلنا عنه . هذا الصراع طرفاه الجسد والمادة الجامحة في جهة ، والروح والقيم التي نشأنا عليها في جهة أخرى . إنه صراع محتدم بين قوتين ، دوما الخاسر فيه الروح ، إذا لم يتداركه الله بعنايته ، ولم يتكاتف الجميع – بما فيها الجهات الرسمية في المقام الأول – في هذا النزال الجائر المستمر .


في هذا الصراع الشرس ، تبرز فيه مخالب المادية والمصالح الخاصة والنفعية في وجه الإنسانية والقيم المطلقة كالصدق والعدالة والمساواة والإيثار .


   حينما أعلنت العولمة حربها علينا بلا هوادة ، لم تجد من يتصدى لها ، فالكل كان في سبات عميق لا يحرك ساكنا ، وظل الأمر على حاله ، حتى تمكنت براثن العولمة بما تحمله من إفرازات مسمومة من عقولنا ، فتحول الناس شيئا فشيئا إلى ماديين ، المال هو أسمى ما يطمحون إليه ويسعون نحوه فُرادى و جماعات .


والجامعة مثل سواها من المؤسسات لم تنجُ من هذا الإجتياح المادي ، فاستولى من دون أية رحمة على أركان هذه المؤسسة الشامخة ، والتي ظلت على مدى عقدين من الزمن منبرا للعلم والتربية والقيم , لا يزاحم منبرها ذاك مزاحم ولا طامع .


   خسرت الجامعة – كما خسر سواها – الجولة الأولى من المعركة ، فسلمت عقالها إلى النفعيين الذين ينظرون فلا يبصرون غير المادة ، وعيونهم دائما وأبدا ترنو نحو المكاسب المادية ، وزيادة الرصيد ، غير عابئين بالوسيلة ، وبقطع النظر عن أي خسائر في الجانب القيمي والمجتمعي . ونسوا أو تناسوا أن الأمن المجتمعي لا يستقيم إلا بوجود مادة تحيا ضمن ضوابط الروح والقيم ، فلا إفراط ولا تفريط .


   ويمثل الإعلان عن إستضافة نانسي عجرم ، وراقصات من نفس صنف الآنسة نانسي قمة الإنهزام القيمي  والخواء الروحي التي تعيشها الجامعة ، تحت ظل مسؤولين منتسبين إلى هذا التيار المنصهر في بوتقة المادية والنفعية المقيتة ، حيث أن هؤلاء المسؤولين قد أسال سعر التذاكر المرتفعة لعابهم ، ولم يعودوا يهمهم أي شيء آخر سواه .


ولا أدري هل فكر هؤلاء النفر من المسؤولين بردة فعل المجتمع؟!


فهم في موقفهم هذا يتراوحون بين حالتين لا ثالث لهن :


الحالة الأولى : أنهم لم يفكروا ولم يخطر ببالهم ردة فعل المجتمع وغضبه ، ولم يدركوا وجود وميض الجمر القابع تحت الرماد ، الذي قد يشتعل في أية لحظة على هيئة احتجاجات لا يعلم نتائجها إلا الله ، وهذا إن كان ، فهو يعكس قلة بضاعة هؤلاء المسؤولين ، ويظهر جليا أن إدارتهم وخططهم مدمرة على المدى المتوسط أو حتى القريب ، وبالتالي وجودهم على رأس الإدارة يسيء ليس فقط إلى سمعة الجامعة ، بل يتعدى الأمر ليقدح بالسياسة العامة للحكومة ، والتي لم تصدق بعد إنتهاء الإحتجاجات الشعبية العارمة التي اجتاحت البلاد من أقصاها إلى أقصاها .


الحالة الثانية : أنهم فكروا بهذه المسألة ، ولكن لم يهمهم لا احتجاجات الجمهور ، ولا رأي العامة ، ومن ضمنهم الطلبة و الأساتذة ، وحتى الموظفين على حدٍ سواء . وهذه تمثل استهانة غير مقبولة بأراء الأغلبية من المواطنين ، فضلا عن عدم اهتمامهم أصلا بالقيم المتوارثة ، وتعاليم الدين الحنيف ، وإذا صح هذا الإفتراض ، فإن  هؤلاء المسؤولين المنتمين إلى هذا التيار ، يشكلون خطرا محدقا بالأمن المحلي ، الغير مستقر أصلا في الوقت الراهن ؛ نظرا لتأثره بسيل الإحتجاجات التي تعصف بالوطن العربي الكبير .


وسؤال آخر أود توجيهه إلى المسؤولين عن مهرجان السينما في عمان : ماهو موقع نانسي عجرم من هذا المهرجان السينمائي؟


أو بعبارة أخرى : ماهو السبب الوجيه لإستضافة نانسي عجرم في هذا المهرجان؟


هل حرصت إدارة المهرجان على استضافة نانسي عجرم لخبرتها الطويلة المديدة؟ أم لعلمها الغزير الذي سيغمر خيره وفضله جميع الفنانيين والمهتمين بهذا الجانب؟!!


هل هناك من سبب مقنع لإستضافة نانسي وبمعيتها الراقصتين والممثلين التركيين ( نور ومهند ) غير الجانب المادي والدعائي؟


   بإختصار بيِّن : إن استضافة نانسي عجرم هي وسيلة دعائية رخيصة لتحقيق أكبر كسب مادي ، فعدد غفير من الجمهور الذي أزمع على شراء التذاكر المرتفعة الثمن لم  يأتِ من أجل الأفلام المعروضة في المهرجان ، ولا من أجل عيون الفن الراقي الذي يدعونه ، بل من أجل التلذذ بالنظر إلى مفاتن المدعوات الفاتنات وعلى رأسهن المستورة نانسي عجرم .


   على كل حال ، يتعين على الحكومة إعادة النظر في المواقع التي يشغلها هؤلاء المسؤولين المنتمين إلى هذا التيار التغريبي النفعي ؛ لأنهم باتوا شوكة مؤلمة في خاصرة الوطن الجريح ، يقض بدوره مضاجع الأحرار من أبنائه ، فلم يعد يحتمل الأمر انتظارا أو ترددا ، فإن الشمس قد آذنت على المغيب ، والسيف قد يسبق العذل , ولات حين مناص .


                     
                              ****************************

فائدة :
   يقول ابن خلدون - رحمه الله - : " إن المغلوب مولع أبدا بالإقتداء بالغالب ، في شعاره ، وزيه ، ونحلته ، وسائر أحواله وعوائده " .   [ المقدمة ]                                                              

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق